لاجئون في مرمى الغارات.. نزوح داخلي مزدوج من طهران وتل أبيب يقرع أبواب الجيران وأوروبا
لاجئون في مرمى الغارات.. نزوح داخلي مزدوج من طهران وتل أبيب يقرع أبواب الجيران وأوروبا
في الأفق الرمادي للشرق الأوسط، تتكاثف الغيوم الثقيلة فوق إيران وإسرائيل، تحمل في جوفها نذر مواجهة قد لا تكون كسابقاتها، ليست فقط جولة جديدة من التوتر الإقليمي أو فصلًا آخر من النزاع المزمن، بل احتمال لانفجار إقليمي يُنذر بكارثة إنسانية جديدة، تُقحم شعوبًا بأكملها في دوامة النزوح والضياع.
فمع تصاعد المواجهات العسكرية بين طهران وتل أبيب، تدق مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين ناقوس الخطر، محذرة من "تجذّر أزمة لاجئين جديدة" في منطقة أثقلها النزوح الجماعي لعقود، حتى أصبحت الخيامُ فيها أطول عمرًا من البيوت.
البيان الذي أصدرته المفوضية الأممية يوم السبت الماضي لم يكن تقنيًا أو روتينيًا، بل جاء بلهجة صريحة وصارخة، ليُذكر العالم بأن الحرب لا تنتهي في الميدان، بل تبدأ هناك فقط، حيث تعيش في أجساد الهاربين، وفي دفاتر المنظمات الإنسانية، وفي صور الأطفال الذين يفترشون الأرض ويجفون على حصى الغربة، فقد أكدت المفوضية أن "كثافة الهجمات والغارات الجوية المتبادلة بين الطرفين تسببت في تحركات سكانية ملحوظة داخل كل من إيران وإسرائيل"، مشيرة إلى أن آلاف العائلات غادرت المدن الكبرى بحثًا عن بقع آمنة لم تعد موجودة إلا نظريًا.
تشير الوقائع الأولية إلى أن طهران، ومعها مدن مثل أصفهان وقم وشيراز، شهدت موجات نزوح داخلية بعد الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع توصف بـ"استراتيجية"، بعضها مرتبط ببرنامج إيران النووي، مثل منشآت "نطنز" و"فوردو" و"بارشين"، وفق تقارير من "الوكالة الدولية للطاقة الذرية". أكثر من 230 ألف شخص غادروا مدنهم في غضون أسبوعين فقط منذ بدء التصعيد، بحسب تقديرات “الهلال الأحمر الإيراني”، وفي المقابل، كانت إسرائيل على موعد مع الرد الإيراني، الذي شمل صواريخ وطائرات مسيّرة، أصابت أهدافًا مدنية في بعض الأحيان، وتسببت بإخلاء نحو 180 ألف إسرائيلي من منازلهم، أغلبهم من سكان الجنوب ومحيط تل أبيب، وفق ما أعلنته "هيئة الجبهة الداخلية" في وزارة الدفاع الإسرائيلية.
وجهة النزوح
الحديث عن "نزوح داخلي" في بلدين مثل إيران وإسرائيل قد يكون غير مألوف، لكنه هذه المرة واقع معاش، ومن هنا تفتح الأسئلة الشائكة أبوابها دون استئذان: إلى أين سيذهب هؤلاء إذا اشتد وطيس الحرب؟ من سيستقبلهم؟ ومن يتحمل كلفة استيعابهم سياسيًا وإنسانيًا؟
في حال تحوّل النزاع إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، فإن أولى موجات النزوح ستتجه، كما هي العادة، نحو الجيران الأقرب جغرافيًا، وإن لم يكونوا الأنسب سياسيًا أو اقتصاديًا. بالنسبة للاجئين من إيران، فإن الدول المجاورة مثل العراق، أذربيجان، باكستان، وتركيا ستكون الوجهات الأولى المحتملة. العراق، رغم أوضاعه الأمنية المعقدة، يستقبل بالفعل أكثر من 267 ألف لاجئ مسجل، نصفهم من سوريا وإيران، بحسب مفوضية اللاجئين، لكنه يعاني من هشاشة اقتصادية جعلت نسبة الفقر تتجاوز 30% في بعض المحافظات الحدودية.
أما باكستان، التي تستضيف أكثر من 1.33 مليون لاجئ أفغاني مسجل رسميًا (وما يُقدّر بـ 800 ألف غير مسجلين)، فهي الأخرى تواجه ضغوطًا داخلية، مع تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية التي دفعت التضخم إلى 28% في العام الماضي وحده، وهو أعلى مستوى له منذ عقدين، وفق البنك المركزي الباكستاني.
تركيا، التي باتت مفترق طرق رئيساً للهجرة غير النظامية نحو أوروبا، قد تجد نفسها مجددًا في موقع الضاغط والمضغوط في آن واحد، وتستضيف أنقرة رسميًا 3.64 ملايين لاجئ سوري، إلى جانب ما يُقدّر بـ400 ألف لاجئ من جنسيات أخرى، بينهم إيرانيون، عراقيون، وأفغان. ووفق تقرير داخلي نشره "مركز الدراسات الاقتصادية التركي"، فإن 76% من المواطنين الأتراك يعارضون استقبال لاجئين جدد، في ظل تدهور الوضع الاقتصادي وتضخم البطالة إلى أكثر من 10%.
أما من جهة إسرائيل، فإن الوجهات المحتملة تبقى محدودة نظرًا لطبيعة علاقاتها الإقليمية، إلا أن الدعم الغربي القوي قد يسمح بترتيب عمليات نقل وإجلاء منظم لمواطنين أو مزدوجي الجنسية إلى دول حليفة في أوروبا أو أمريكا الشمالية وفي عام 2006، على سبيل المثال، تم إجلاء أكثر من 12 ألف مواطن أمريكي من لبنان خلال الحرب مع حزب الله. ولكن أي موجة نزوح كبيرة من إسرائيل حاليًا قد تشمل ما يزيد على 500 ألف مدني، وفق سيناريوهات وضعها "معهد دراسات الأمن القومي" في تل أبيب.
لكن الأنظار تتجه أكثر إلى أوروبا، التي قد لا تكون في واجهة اللجوء المباشر، لكنها بالتأكيد في قلب التبعات. أوروبا التي تستفيق في كل موجة نزوح جديدة على معضلة لم تُحلّ بعد: كيف توازن بين التزاماتها الإنسانية، وضغوطها الداخلية، وشعوبها التي باتت أكثر تحفظًا تجاه اللجوء؟ تقرير صادر عن "المرصد الأوروبي للهجرة" يشير إلى أن أكثر من 64% من الأوروبيين يعارضون استقبال لاجئين جدد من مناطق نزاع في الشرق الأوسط، ولا سيما بعد أن استقبلت ألمانيا وحدها أكثر من 1.2 مليون لاجئ منذ عام 2015، في حين استقبلت السويد نحو 250 ألف لاجئ في نفس الفترة.
ومع صعود الأحزاب اليمينية في دول مثل ألمانيا، هولندا، فرنسا، وإيطاليا، أصبح من الصعب تصور أن تكون أوروبا كما كانت في 2015، حين فتحت أبوابها على مصراعيها أمام موجة النزوح السوري. الأحزاب القومية باتت تسيطر على برلمانات محلية وتضغط لسن قوانين أكثر تشددًا، كان آخرها ما طرحته "الجبهة الوطنية" في فرنسا بشأن إنشاء مراكز فرز خارج حدود الاتحاد الأوروبي.
لكن الأرقام لا تكذب. وفقًا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فإن احتمال فرار ما يصل إلى مليون شخص من إيران وحدها في حالة تصاعد النزاع بشكل كبير يُعد أمرًا واردًا. هذا الرقم يستند إلى نماذج محاكاة جغرافية وديموغرافية، تأخذ في الحسبان كثافة السكان في المناطق الصناعية المستهدفة، مثل أصفهان وطهران وشيراز. ويُتوقع أن يستخدم معظم هؤلاء طريق البلقان، أو طرق البحر المتوسط التي شهدت وحدها عبور 186 ألف مهاجر ولاجئ في عام 2023، وفق منظمة "الهجرة الدولية".
وفي الوقت نفسه، تؤكد المفوضية الأوروبية أن العام 2024 وحده شهد زيادة بنسبة 38% في طلبات اللجوء مقارنة بعام 2023، حيث قُدمت نحو 1.14 مليون طلب لجوء في الاتحاد الأوروبي، وهي أعلى نسبة منذ أزمة اللاجئين عام 2015، بينما تبقى قدرات مراكز الاستقبال دون المستوى المطلوب. وتُعد ألمانيا والسويد وهولندا والنمسا من أكثر الدول تلقيًا للطلبات.
في إيران، تبدو المأساة أكثر تعقيدًا، لأنها لا تتعلق فقط بمن سيفرون من الحرب، بل بمن لا يملكون أصلاً مكانًا يفرون منه. إن الحديث عن 3.5 ملايين لاجئ من أفغانستان يعيشون في إيران ليس مجرد رقم. يعيش نحو 80% منهم دون تصاريح إقامة قانونية، وفق ما ذكرته المفوضية السامية، ما يعرضهم لأخطار الاعتقال والترحيل القسري. وتشير تقارير "منظمة العفو الدولية" إلى تسجيل أكثر من 2700 حالة ترحيل قسري لأفغان خلال شهرَي مارس وأبريل فقط، رغم الأخطار الجسيمة التي تواجههم في بلادهم.
وقد أوضح تقرير داخلي للمنظمة أن 42% من اللاجئين الأفغان في إيران يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد، في حين لا يستطيع أكثر من 60% من أطفالهم الالتحاق بالمدارس، بسبب متطلبات وثائق الهوية، أو الرسوم غير الرسمية المفروضة على التعليم.
الحرب، كما وصفها فيليبو غراندي، لا تعني فقط الرصاص، بل تعني أيضًا فقدان الهوية، وانقطاع السبل، وتآكل الكرامة. ففي ظل العقوبات الاقتصادية، والقيود المتزايدة على حركة المنظمات الدولية في إيران، يبدو أن اللاجئين هناك على وشك مواجهة مجاعة بطيئة. تقرير حديث صادر عن "برنامج الأغذية العالمي" أشار إلى أن نقص التمويل أدى إلى خفض الحصص الغذائية للاجئين بنسبة 45%، ما يعرض أكثر من 700 ألف لاجئ في إيران لخطر سوء التغذية الحاد.
أما البنية التحتية في الدول المستقبلة المحتملة، فهي في طريقها إلى الانهيار تحت ثقل التزاماتها. ألمانيا، التي طالما عُدت مثالًا في إدارة اللجوء، تعاني اليوم من نقص حاد في مراكز الاستقبال، وتأخير في إجراءات البت بطلبات اللجوء يتجاوز 12 شهرًا في المتوسط، بحسب "الهيئة الفيدرالية للهجرة واللاجئين". فرنسا تواجه احتجاجات داخلية بشأن توزيع اللاجئين على البلديات، فيما تشكو اليونان من اكتظاظ مراكز الاحتجاز، التي وصل معدل إشغالها في جزر مثل "ليسبوس" و"كيوس" إلى 220% من الطاقة الاستيعابية.
موجة لجوء محتملة تهدد استقرار الجوار وأوروبا
قال الدكتور أيمن زهري، أستاذ الهجرة والسياسات الدولية في الجامعة الأمريكية ببيروت، والحاصل على درجة الدكتوراه في دراسات الهجرة من جامعة ساسيكس، والمستشار لدى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، إن تفاقم النزاع بين إيران وإسرائيل قد يطلق موجة نزوح إقليمي ودولي واسعة تُعيد إلى الأذهان مشهد اللجوء السوري في عام 2015، لكن بتعقيدات أكبر وسيناريوهات أشد تشظيًا.
وأوضح في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن الدول المجاورة لإيران ستكون أول من يواجه التداعيات المباشرة، وعلى رأسها تركيا، التي تمتلك خبرة طويلة في التعامل مع اللاجئين، وبنية تحتية مؤهلة نسبيًا للاستقبال والعبور نحو أوروبا. وأضاف أن العراق، وتحديدًا إقليم كردستان، يُرجح أن يستقبل بعض اللاجئين رغم ضعف قدرته الاستيعابية، فيما قد تشكل أفغانستان وجهة لبعض الهاربين لأسباب مذهبية أو عائلية، رغم ما تعانيه من هشاشة أمنية وسياسية.
أما دول الخليج، فيرى زهري أنها لن تكون مستعدة أو راغبة في استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين، لكن قد تستثني منها بعض النخب الاقتصادية أو الأكاديمية، وفق اعتبارات انتقائية مشددة. وبالنسبة لأوروبا، فستكون المقصد الثاني في مراحل لاحقة، حيث قد يتدفق اللاجئون إليها عبر طرق بحرية وبرية تهريبية، لا سيما عبر تركيا أو البحر الأبيض المتوسط، ما قد يعيد إلى الواجهة الجدل السياسي حول اللجوء داخل الاتحاد الأوروبي.
وأكد زهري أن مثل هذه الموجة المحتملة من النزوح ستشكل ضغطًا هائلًا على البنية التحتية في الدول المستقبِلة، خاصة تلك التي ما زالت تعاني أصلًا آثار اللجوء السابق، مثل تركيا واليونان. وستبرز التحديات في قطاعات التعليم والرعاية الصحية والسكن، بالتزامن مع تصاعد القلق الأمني من احتمال تسلل عناصر متطرفة ضمن موجات اللاجئين، وهو ما قد يؤجج الخطاب الشعبوي واليمين المتطرف في عدد من الدول الأوروبية.
كما أشار إلى أن الأعباء الاقتصادية الناتجة عن توفير الغذاء والمأوى والخدمات الأساسية ستتطلب تمويلًا ضخمًا، ما سيضغط على الميزانيات الوطنية للدول المستقبِلة، وسيُحفز طلبات الدعم من المنظمات الدولية. وفي هذا السياق، من المتوقع أن تلجأ دول أوروبية إلى تشديد إجراءات اللجوء، وربما اعتماد نموذج "الاحتواء الخارجي" عبر مراكز لجوء في دول ثالثة، مثل ما تم اقتراحه في صفقات أوروبية سابقة مع رواندا وليبيا وتونس.
أما داخل إيران، فيحذر زهري من كارثة إنسانية مزدوجة تطول اللاجئين الذين تستضيفهم طهران، خصوصًا من الأفغان، إذ قد ينهار النظام الخدمي الذي يعتمد عليه هؤلاء في ظل تفاقم الحرب، وانهيار الاقتصاد المحلي والعقوبات. ومن المرجّح أن ترتفع حدة المشاعر المعادية للأجانب، خاصة إذا جرى توجيه الاتهامات للاجئين بالتخابر أو بالعمالة، فيتحولون إلى ضحايا للعنصرية والاضطهاد.
وقد يسعى كثير من اللاجئين الحاليين في إيران إلى الفرار من البلاد، سواء عبر تركيا أو الحدود الغربية، ما سيولّد أزمة نزوح جديدة، لا سيما إن فشلت القوات الإيرانية في ضبط الحدود تحت ضغط الحرب.
وفيما يتعلق بالسياسة الأوروبية تجاه اللجوء، يرى زهري أن النزاع المتصاعد قد يُحدث تحولًا جذريًا في الاستجابة الأوروبية، يتمثل في تعزيز سياسات الردع والمنع، من خلال تشديد القيود، وتوسيع الاتفاقات مع الدول الجارة لإيران لاحتواء اللاجئين في محيطهم الجغرافي، بدلًا من استيعابهم داخل أوروبا، كما ستتجه بعض الدول لتقليص معايير الحماية القانونية، وتقليص فرص الحصول على صفة اللجوء، في حين ستُظهر دول مثل المجر وبولندا معارضة قوية لأي نظام توزيع إلزامي للاجئين داخل الاتحاد، ما قد يؤدي إلى انقسامات حادة داخل الكتلة الأوروبية.
واختتم زهري تصريحه بالتحذير من أن المجتمع الدولي يقف على أعتاب أزمة إنسانية غير مسبوقة إذا تفجّر النزاع، مطالبًا بضرورة التنبّه المبكر وتوفير خطط استجابة متوازنة تحمي المدنيين وتمنع الانهيار الإقليمي في حال خرجت الحرب عن السيطرة.
موجات نزوح محتملة تهدد بتغيير الخريطة الإقليمية
قالت الباحثة المتخصصة في الشأن الإسرائيلي، الدكتورة إيمان بخيت، إن سيناريوهات اللجوء والنزوح المحتملة نتيجة تطورات إقليمية، وخاصة ما يتعلق بإيران، تظل مفتوحة على كل الاحتمالات، رغم أن المؤشرات الحالية لا ترجّح موجة هجرة كبرى في الوقت الراهن. وأوضحت بخيت أن المشهد الإقليمي يكتنفه قدر كبير من الضبابية، ما يفسح المجال أمام سيناريوهات متباينة قد تُحدث تحولات كبرى، خاصة إذا اندلعت حرب واسعة النطاق في إيران، وهو احتمال لا يمكن استبعاده كلياً.
وأضافت في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن الدول المجاورة لإيران ستكون الوجهة الأولى المرجحة للاجئين الإيرانيين، لكنها استثنت دول الخليج من هذه المعادلة، مؤكدة أن هذه الدول لن تفتح أبوابها لموجات لجوء من إيران، نظراً إلى اعتبارات تتعلق بالأمن الداخلي والهواجس من تسرب عناصر متطرفة أو جماعات مسلحة يمكن أن تستغل الفوضى المحتملة داخل إيران. وأشارت إلى الطبيعة التركيبية للمجتمع الإيراني، الذي يتميز بتنوع إثني وديني واسع، يضم أقليات عدة، وتاريخ سياسي مضطرب، ما يجعل من حدوث فوضى داخلية شاملة أمراً مرجحاً حال اندلاع نزاع واسع.
وأوضحت بخيت أن باكستان، الحليف التقليدي لإيران، ستكون على الأرجح إحدى الوجهات الأساسية للاجئين، إلى جانب تركيا، وربما روسيا في حال لجأ كبار المسؤولين الإيرانيين إلى الخارج هرباً من التصعيد. ولفتت إلى أن هذه التحركات ستعتمد بدرجة كبيرة على درجة اتساع النزاع ونوعيته، سواء كان حرباً محدودة أو مواجهة شاملة.
وبالنسبة لإسرائيل، أكدت بخيت أن الولايات المتحدة ستكون أولى الدول المرحبة بأي موجة لجوء إسرائيلية، نظراً للعلاقة التحالفية الوثيقة بين الطرفين، ووجود نسبة كبيرة من الإسرائيليين ممن يحملون الجنسية الأمريكية أو جنسيات أوروبية. لكنّها في الوقت نفسه استبعدت بشكل قاطع أن تسمح الحكومة الإسرائيلية بخروج أعداد كبيرة من سكانها، لما في ذلك من تهديد مباشر لفكرة الدولة اليهودية، والمرتكز الأساسي للمشروع الصهيوني القائم على تكثيف الوجود اليهودي في فلسطين التاريخية.
وأوضحت أن إسرائيل اتخذت بالفعل تدابير لمنع ما يمكن تسميته بـ"الهجرة العكسية"، ومنها تعليق الرحلات الجوية خلال التهديدات الأمنية، وهو ما دفع بعض المواطنين إلى اللجوء إلى طرق بديلة للهروب، براً أو عبر الهجرة غير الشرعية. ورغم ذلك، ترى بخيت أن الدولة العبرية لن تسمح بتكرار هذا المشهد على نطاق واسع، لما يشكله من تهديد ديموغرافي واستراتيجي.
وفي ما يتعلق بتأثير موجات النزوح على الدول المستقبلة، شددت الباحثة على أن هذا العامل يعتمد بشكل أساسي على حجم المهاجرين ونوعية الدول التي تستقبلهم. وأشارت إلى أن الدول الأوروبية على وجه الخصوص تعاني من أزمات اقتصادية خانقة، تجعلها أقل قدرة على استيعاب موجات لجوء جديدة، خصوصاً بعد التجربة المريرة التي خاضتها خلال موجات النزوح بعد ثورات الربيع العربي، والتي غيّرت من سياساتها تجاه الهجرة بشكل جذري.
وتابعت: "لقد بدأت دول مثل ألمانيا ودول أوروبية أخرى برفع صوتها ضد استمرار استقبال اللاجئين، بل هناك محاولات حثيثة لإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، تحت ذريعة الأعباء الاقتصادية والاجتماعية".
أما بالنسبة للاجئين الموجودين حالياً داخل إيران، ترى بخيت أنهم سيواجهون أوضاعاً مأساوية في ظل تصاعد التوتر، فالأزمات الاقتصادية ستشتد، وسيصعب عليهم الوصول إلى خدمات أساسية كالصحة والتعليم والغذاء، بل وقد يُنظر إليهم كعبء إضافي أو غرباء يتقاسمون الموارد مع السكان المحليين، وهو ما قد يعرضهم لأعمال عنف أو استغلال ممنهج.
وختمت بخيت بالتأكيد على أن الأوضاع الإقليمية تدخل منعطفاً حساساً، قد يعيد تشكيل الخريطة السكانية والسياسية برمتها، وأن أي موجة نزوح قادمة ستكون مختلفة من حيث الشكل والتأثير، مقارنة بما شهده العالم في العقود الماضية، ما يتطلب استعداداً إقليمياً ودولياً لمواجهة التداعيات المحتملة.